البيانات .. هل هي النفط الجديد؟


في عام 2006م أطلق رائد الأعمال البريطاني Clive Humby  عبارة "البيانات هي النفط الجديد" ، هذه العبارة اشتهرت لاحقاً ولقت أصداء كبيرة وتم تكراراها في أكثر من مؤتمر ومحفل للبيانات ، عبارة عميقة وفي نفس الوقت غامضة ، مالذي يجعل البيانات كالنفط؟. في هذا المقال سأناقش مدلولات هذه العبارة ، وسأحاول توضيح أوجه الشبه والإختلاف بين البيانات والنفط.

خلال الثورة الصناعية في القرن الماضي ، لعب النفط دوراً جوهرياً في الاقتصاد العالمي ، وشكلت الشركات النفطية محور اقتصاد العالم ، وعلى رأسها شركة أرامكو السعودية ، وأصبحت الدول البترولية دول محورية في العالم ، بزيادة أسعار النفط تزدهر تلك الدول وتنتعش فيها التنمية ، و تعيش مرحلة ركود حينما تنخفض أسعاره.



اليوم نعيش ثورة جديدة ، ثورة مختلفة ، ثورة معلوماتية لم يسبق لها مثيل ، أصبحنا نعيش في بيوت زجاجية ، وأصبحت الشركات التقنية تعرف عنا أكثر مما نعرفه عن أنفسنا ، أكثر مما يعرفه عنا أصدقائنا وحتى أقاربنا ، هواتفنا الذكية جعلتنا في مهب الريح ، سجنتنا في شاشاتها الصغيرة ، تلك الشاشات الصغيرة فتحت لنا نافذة كبيرة على العالم ، وفتحت نافذة أكبر للآخرين على بياناتنا وخصوصياتنا. من جهة أخرى إنتشرت شبكة الأنترنت في كل مكان بفضل تقنية الـ WiFi والتي جعلتنا مرتبطين بالعالم الإفتراضي من أي مكان وفي أي وقت ، تلك التقنية ربطتنا بالبعيد وقربته ، وأشغلتنا عن القريب وبعدته ، أصبحنا نهنيء ، نسأل ، نقوم بجل أعمالنا من خلال شاشاتنا الصغيرة المرتبطة بتلك الشبكة ، وفي النهاية هناك من يجمع بياناتنا ، ويرصد تحركاتنا ، ويراقب كل مانقوم به في العالم الإفتراضي ، هناك من يحاول أن يفهم سلوكنا كأفراد وكمجتمعات ، هناك من ينتهز الفرص ، يرى في هذا العالم الجديد فرص إقتصادية هائلة. على سبيل المثال من خلال جمع بيانات مستخدمين فيسبوك إستطاعت شركة كامبيرج أنالاتيكا في أمريكا معرفة ما سمته "البصمات الرقمية" للمستخدمين ، والتي تمثل أفكارهم ومشاعرهم وتجاربهم وسلوكياتهم ، معرفة تلك المعلومات له إستخدامات كثيرة في التوظيف و التسويق والتعليم.

في الثورة المعلوماتية خرجت لنا شركات جديدة هي من تقود العالم حالياً ، شركات رأس مالها البيانات ، تقدم لنا خدماتها مجاناً ، لنكون نحن السلعة ورأس المال لتلك الشركات ، بياناتنا ، إهتمامتنا ، تواصلنا ، يخلق لهم فرص إستثمارية ، تلك الفرص هي الثمن الحقيقي لخدماتهم المجانية. شركات عملاقة مثل أمازون ، قوقل ، علي بابا ، فيسبوك ، تلعب دوراً جوهرياً في إقتصاد العصر الحالي ، هذه الشركات رأس مالها الحقيقي هي البيانات ، قامت على البيانات وتتغذى على البيانات ، وجل منتجاتها وماتبيعه تدخل البيانات بشكل مباشر أو غير مباشر كعنصر أساسي فيه ، هذه الشركات تبنت نموذج عمل يعتمد على مجانية الخدمات كطريقة للحصول على البيانات ، وبشكل أدق عرضت خدماتها مجاناً مقابل الحصول على بيانات العملاء (If a service is free, you are the product) ، ومن ثم قامت ببناء منتجات تناسب العملاء ، بعد جمع بيانات عنهم ، وتحليل تلك البيانات ، ومن ثم بناءً على دراسة إهتماماتهم ، مايحبون ومايكرهون ، وبيعها عليهم ، على سبيل المثال حالياً 35% من دخل أمازون جاء نتيجة لنظام التوصية التي طورته بناءً على بيانات عملاءها وتحليل سلوكهم الشرائي ومن ثم إعطاءهم توصية لشراء منتجات أخرى. 

لذا تشكل البيانات في الثورة المعلوماتية دوراً مشابهاً للدور الذي لعبه النفط في الثورة الصناعية ، النفط كان مصدر للكثير من المنتجات كالبلاستيك ، وقود السيارات والطائرات ، كذلك هي البيانات في عصر ثورة المعلومات أصبحت مصدراً للمعرفة ، لمنتجات جديدة تساعد في حل بعض المشاكل الحالية ، ومصدراً مهماً لإتخاذ القرارات ، ولكن كل هذا لا يمكن أن يحدث بدون المعالجة بأدوات معينة ، تماماً مثل النفط القابع في أعماق الأرض والذي يحتاج لأدوات معينة لإستخراجه وتكريره ومن ثم إستخراج مشتقاته التي تدخل كعنصر هام في صناعة الكثير من المنتجات.

بعد توفر الأجهزة العملاقة القادرة على تخزين البيانات ومعالجتها في وقت قصير من جهة ، وجمع بيانات ضخمة من أكثر من مصدر وبكميات هائلة من جهة أخرى ، أصبح من الممكن باستخدام بعض الخوارزميات تحليل تلك البيانات الضخمة. الإستثمار في البيانات وتحليلها يدخل في الكثير من القطاعات ، ويستخدم من قبل الجهات الحكومية والخاصة ، على مستوى المؤسسات والأفراد. هناك الكثير من القصص التي توضح الإستثمار الناجح لتحليل البيانات في زيادة الإيرادات ، تخفيض التكلفة ، وكذلك في خلق منتجات جديدة لم يكن بالإمكان الوصول لها وإنتاجها لولا توفر تلك البيانات الهائلة والأجهزة العملاقة.

البعض يذهب أبعد من تشبيه البيانات بالنفط ، ويرى أن هناك مايميز البيانات عن النفط ، البيانات بالإمكان إستنساخها ، نقلها بسهولة ، ولا تفنى بعد إستخدامها ، بل بالإمكان إعادة إستخدامها مرات عديدة ، كذلك إستخراج المعرفة من البيانات غير مكلف ، ولا يؤثر في صحة البيئة ، بعكس النفط والذي لايمكن إستنساخه ولا إعادة استخدامه ، كذلك الكلفة المرتفعة لإنتاجه ونقله ، أيضاً وبعكس البيانات تؤثر المشتقات النفطية بشكل مباشر على البيئة وتلوثها.

أخيراً ، البيانات مرآة الواقع ، كل مانعمله في واقعنا ينعكس في البيانات التي نجمعها ، بالإمكان من خلال البيانات قياس مؤشرات الأداء بشكل يومي ، بل بشكل لحظي ، عرض تلك المؤشرات لمتخذ القرار يجعله قادر على رؤية الواقع في مؤسسته أو شركته ، قياس إنتاجية الموظفين ، تحديد مكامن الخلل و مصادر الهدر ، ومن ثم رسم الخطط وإقتراح الحلول ، بشكل عام تلك البيانات تمكن متخذ القرار من متابعة مايحدث (descriptive analytics) والتنبؤ بالذي سيحدث في المستقبل (predictive analytics).


المصادر:
1- The Amazon Recommendations Secret to Selling More Online. Available online: http://rejoiner.com/resources/amazon-recommendations-secret-selling-online/
2- 53% of Marketers Plan to Adopt Artificial Intelligence in two years. Available online: https://www.forbes.com/sites/louiscolumbus/2017/06/20/53-of-marketers-plan-to-adopt-artificial-intelligence-in-two-years/#338c4ab31fbc
3- 80% Of Marketing Leaders say Artificial Intelligence will Revolutionize Marketing by 2020, Available online: https://www.forbes.com/sites/steveolenski/2016/12/14/80-of-marketing-leaders-say-artificial-intelligence-will-revolutionize-marketing-by-2020/#651ba6701a73

 



Comments

Popular posts from this blog

البيانات الضخمة والتسويق الذكي

في عصر البيانات الضخمة .. هل نحن في خطر؟