في عصر البيانات الضخمة .. هل نحن في خطر؟
في
عصر البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي التي نعيشها حالياً فتحت شاشاتنا الصغيرة
نافذة كبيرة لنا على العالم، أصبحنا نسافر إلى أقطار العالم نتسوق في كل مكان بلا
جواز ولا تأشيرة، جوازنا شاشتنا الصغيرة، وتأشيرتنا إشتراك في خدمة الأنترنت،
ولكن تلك الشاشة الصغيرة فتحت بالمقابل نافذة أكبر للآخرين على بياناتنا وخصوصيتنا،
من يصدق أن متجر يعرف بحمل فتاة قبل والدها، وأن شركة تعرف عن ابناءنا أكثر مما
نعرفه عنهم، أصبحت الشركات تعرف أدق تفاصيل حياتنا، اهتماماتنا، حالتنا الصحية،
مانحب وما نكره، اصدقاءنا، وظائفنا، سلوكنا الشرائي والغذائي، أصبحت الشركات تعرفنا
أكثر مما يعرفنا اصدقاءنا، أصبحنا نعيش في عالم افتراضي نعرف فيه أناس لم نقابلهم
قط، باختصار أصبحنا نعيش في بيوت زجاجية يعرف عنا الآخرين أدق تفاصيل حياتنا، متى
ننام ومتى نصحو، خصوصياتنا أصبحت في مهب الريح!
جوجل
هي قائدة الثورة الجديدة، وعراب فضاء العالم الافتراضي، بدأت حكايتها في التسعينات
الميلادية وتحديداً في عام 1998م، تم تأسيسها على يد طالبين دكتوراه من جامعة ستانفورد، في
بداياتها كانت مجرد محرك بحث، ولكنها تطورت مع الوقت وأصبحت تركز على منتجات
وخدمات الأنترنت حتى أصبحت اليوم أحد عمالقة العالم في تقديم هذه الخدمات و بشكل
مجاني. من منا لم يستخدم خرائطها (Google maps)، ترجمتها (Google translate)، ايميلها (Gmail)، وكذلك البحث عن صور فيها ومقاطع فيديو من خلالها، كل هذه العمليات تقدمها جوجللمستخدميها بشكل مجاني، ولكن بعدما توافق على مشاركة بياناتك معهم، وهنا يكمن سر
مجانية الخدمات، فهناك مقوله مفادها "إن كُنت لا تدفع ثمن الخدمة فاعلم أنك
أنت الثمن!"، أنت الثمن بمشاركة بياناتك معهم، لذا فإن الثمن الحقيقي التي
تقبضه جوجل هو كمية البيانات الضخمة التي تجمعها عن المستخدمين، جوجل لديها ملف
لكل مستخدم يشمل قائمة اهتماماته يتم تحديث هذا الملف من وقت لآخر، ويُستخدم في
تحديد أنواع الإعلانات التي سيتم عرضها على المستخدم لاحقاً، لك أن تتخيل أن كمية
البيانات التي تجمعها جوجل عن كل مستخدم تمكنهم من معرفة الكثير عنه، ديانته، أين
يسكن، عمره، هواياتاه، مشاكله الصحية. تنظر جوجل إلى تلك البيانات كسلع ثمينة
تحافظ عليها وتستثمر فيها عن طريق استهداف العملاء بالاعلانات بشكل مباشر، كلما
عرفت عنك أكثر كلما تمكنت من مطابقتك مع إحتياجات المعلنين بشكل أكبر، على سبيل
المثال شركات الطيران التي تريد أن تستهدف الأشخاص المحبين للسفر، كذلك صناع ونقاط
بيع ملابس الأطفال الذين يريدون استهداف الأسر التي لديها أطفال أكثر.
الثورة
الثانية في فضاء العالم الافتراضي ظهرت مع الشبكات الإجتماعية والتي بدأت في الإنتشار
بعد عام 2000م في ثورة مايسمى Web2.0، الثورة التي
نقلت المستخدم من مجرد متلقي للمعلومة إلى منتج لها. الشبكات الإجتماعية تهدف إلى
تكوين شبكة من المستخدمين مرتبطين مع بعضهم البعض في عالم إفتراضي تكون فيه
الصداقات والمعارف إفتراضية على الأنترنت، الحافز للمستخدمين للدخول في هذه
الشبكات هو تكوين صداقات مع آخرين يشاركونهم نفس الاهتمامات كالتخصص، أو لمتابعة
أخبار المشاهير، والتواصل مع الجمهور بشكل مباشر. التفاعل الكبير الذي يتم في هذه
الشبكات ينتج عنه كمية هائلة من البيانات الضخمة عن كل مستخدم، هذه البيانات ليست
مرتبطة ببياناته الشخصية فقط، وإنما بسلوكه اليومي و اهتماماته. فيسبوك على سبيل
المثال لا يعرف قائمة أصدقائنا فقط، بل يعرف كذلك تقلباتنا العاطفية، وعلاقاتنا
بكل من حولنا في العالم الإفتراضي عن طريق الأنشطة التي نقوم بها في الفيسبوك
وتحديثنا لحالاتنا، كذلك بإمكانه التنبؤ بدقة عالية عن مدى استمرارية علاقتنا بشخص
ما، وكذلك عن ذكائنا ومدى رضاءنا باستخدام البيانات التي يجمعها من "ابداءات
الإعجاب" التي نقوم بها، إنستقرام يعرف أكثر الأماكن التي نزورها وأوقات
تواجدنا، اليوتيوب يعرف مقاطع الفيديو
التي تنال إعجابنا، كذلك بإمكانه التعرف على اهتماماتنا من خلال تفاعلنا سواءً
بالإعجاب او كتابة الملاحظات أسفل مقاطع الفيديو، كذلك في تويتر الكثير من الاشياء
تكشف شخصياتنا، الأشخاص الذي نتابعهم والأشخاص الذين يتابعوننا، تغريداتنا،
تفاعلنا بإعادة تغريدات الآخرين أو تفضيلها.
انتقالنا في التسوق من العالم الحقيقي إلى العالم الإفتراضي من خلال مواقع التجارة
الالكترونية والتي من أشهرها Amazon و e-Bay
جعلت خطواتنا مراقبة، أمازون يجمع بيانات هائلة عن المتسوقين، من شراء
العملاء والمنتجات التي يحبونها وسلة مشتريات كل عميل، تخيل ان أمازون تجمع بيانات
حتى عن المنتجات التي تم اضافتها لسلة المشتريات ومن ثم حذفها، وكذلك الوقت
المستغرق لتصفح كل منتج! ، Netflix تعرف الأفلام التي تشاهدها وتحبها، وشركة
HR بإمكانها التنبؤ بمتى سوف تترك عملك من خلال تحليل مجموعة من
المستندات.
حتى
لو لم تكن تتسوق ألكترونياً فإنه بالإمكان تتبعك ومعرفة اهتماماتك بفضل الأنظمة الإلكترونية المستخدمة في بعض المحلات، محلات التسوق الكبيرة خصوصاً التي لديك
بطاقة ولاء معهم يعرفون الماركات التي تعجبك، تخيل أن محل مثل تارقت عرف عن حمل
فتاة قبل معرفة والدها بذلكّ، البقالات الصيدليات يجمعون بيانات عن عاداتك و تفضيلاتك الشرائية، تلك البيانات تستخدم لاحقاً لعرض بعض المنتجات لك حينما تزور
موقعهم على الانترنت، العروض والكوبونات الشخصية، أما البنوك فحكاية أخرى، بفضل
استخدامنا لبطاقاتنا يعرفون عنا الكثير، معدل استهلاكنا، مانشتري والمحلات التي
نرتادها، هذه البيانات ربما تستخدم في تحديد درجة الائتمان الخاصة بك لتحديد ما إذا
كنت تمثل مخاطر ائتمانية، والتي قد تؤثر على حصولك على قروض منهم في المستقبل.
هذا
غيض من فيض، ثمن ندفعه للانتقال من العالم الحقيقي إلى العالم الإفتراضي، ثمن
ندفعه لاستخدامنا بعض التطبيقات والمواقع، وعلى الرغم من تهديدها لخصوصياتنا إلا
أنها جعلت حياتنا أسهل، ولكن السؤال الذي دائماً يتبادر إلى أذهاننا هل نحن في
خطر؟.
على
الرغم من كل ما ذكر إلا أن الشركات أكثر حرصاً على الحفاظ على البيانات التي
يجمعونها من المستخدمين جراء استخدامهم لخدماتها، جمع تلك البيانات لا تهددنا
كأفراد، ولأن هذه البيانات تمثل رأس مال تلك الشركات ومصدر أرباحها فإنها تحرص
وبشكل كبير على المحافظة عليها لما سوف يترتب من أضرار فيما لو أُستخدمت بشكل
سلبي.
في
دراسة حديثة تم الكشف على أن نسبة من الأمريكيين عزفوا عن إستخدام الفيسبوك بسبب
فضيحة "كامبريدج أنلاتيكا" والتي تم استخدام بيانات فيسبوك لمعرفة
توجهات واهتمامات بعض الناخبين والتأثير عليهم فيما بعد. وضحت الدراسة أن 64% من
صغار السن والتي تتراوح أعمارهم بين 18 و 29 قاموا بحذف التطبيق من هواتفهم، وتوقف
42 % عن استخدام التطبيق لعدة أسابيع أو أكثر.
يجب
الإشارة ان ما يشكل خطر على الأفراد هو استخدامهم الغير جيد للتقنية، على سبيل
المثال نشرهم لبياناتهم الخاصة من صور وغيرها، وتحركاتهم على منصات الشبكات
الاجتماعية، ذكر أحد مشاهير سناب شات أنه تمت سرقة استراحته بينما كان يشارك في
دعاية لافتتاح أحد المحلات في الرياض، وذلك لمعرفتهم بموقع استراحته، وبتواجده
خارج المدينة في الوقت الذي سرقوا فيه استراحتهّ.
قصة
أخرى عن سائق الفورميلا جينسون باتون الذي تمت سرقت منزله خلال عطلته، حيث اقتحم
اللصول الفلة وأخذوا كل مافيه بما في ذلك خاتم زواج تبلغ قيمته 388 ألف دولار،
والفضل في ذلك في الصور التي نشرتها زوجته جيسيكا على انستقرام مستخدمة خاصية
تحديد المكان!.
الخطر
الآخر الذي يجب التنبيه عليه هو عدم استخدام التقنية بشكل يتعارض مع القوانين
والأنظمة، ولعل قصة المواطن التايلندي البالغ من العمر 48 عاماً والذي حكم عليه
بالسجن لمدة 30 عاماً بسبب إهانته الملك على الفيسبوك أحد الأمثلة، وقد حُكم عليه
في محكمة في بانكوك بموجب حكم يعرف بـ "الجوهرة المهيبة" والتي يواجه أي
شخص مدان بإهانة الملك أو الملكة أو الوريث أو الوصي بعقوبة السجن.
لذا
وبشكل عام وحتى تحمي نفسك عند استخدام التقنية بشكل عام والشبكات الاجتماعية بشكل
خاص يجب التأكد من ضبط إعدادات الخصوصية الخاصة بالشبكات الاجتماعية حسب متطلباتك الشخصية
خاصة تفعيل تحديد الموقع، والتأكد من أنك تشارك بياناتك الحساسة مع من تثق فيهم
فقط، كذلك تجنب نشر أي محتوى قد يعني أنك خارج المنزل لفترة زمنية طويلة، كن حذر
ولا تنشر بياناتك الشخصية أو صور أطفالك، والتي ربما تعرضهم للخطر.
كذلك
أحذر من نشر محتوى مسيئاً أو يحمل عنصرية لشخص او مجموعة من الاشخاص ينتمون لعرق
أو منطقة أو قبيلة، مثل هذا المحتوى حتى لو أفلت من العقاب قانويناً لنشرك مثل هذا
المحتوى، سيكون مثل هذا المحتوى علامة بارزة تشكل هويتك وسلوكك لمن سيزور حسابك
لاحقاً ، وربما سيُستخدم لتقييمك في قرارات الجهات التي تتقدم لوظيفة لديهم
لاحقاً.
Comments
Post a Comment